نقطة اﻹسعاف بحاجة إلى دم A+
هل يعلم أحد ماذا يعني ذلك .... ؟
أي أن سافلا سلط نيران حقده على أهلنا فأصيب من أصيب و استشهد من استشهد
أي أن من أصيبوا نقلوا تباعا إلى نقطة اﻹسعاف و استهلكت أكياس الدم في البراد واحدا تلو اﻵخر حتى جاء مصاب يحتاح دما و لا يوجد
أي أن كل من في النقطة الطبية و حرسها و جيرانها و مسعفيها و مارة الطريق قد سئلوا إن كان هناك من متبرع و جميعهم إما تبرع حديثا و لا يستطيع أو زمرته لا تتطابق
أي أن أما ترتجف عيناها بحثا عن متبرع دون أن تجد
في أحد اﻷيام و قبل أذان الفجر بقليل ....... كنت جالسا عند أبو عماد صديقي الذي يشرف على مولدات المكتب الطبي ليلا
و جاءت إحدى اﻷمهات في مشهد اعتدنا عليه تسأل عن احدى الزمر
كانت ابنتها الحامل أصيبت و تحتاج دما
لم تتطابق الزمرة المطلوبة مع أحد ..... نصحناها بالتوجه إلى المسجد حيث موعد الصلاة اقترب و طلبنا الزمرة على اللاسلكي و عبر غروبات النت في دوما كما هو معتاد
بعد الصلاة وقفت اﻷم تستجدي زمرة ابنتها لتنقذ لربما روحان معا
أي ظلم هذا أن تقف أمك على باب المسجد ......
ليس الموضوع مساعدة مالية ..... أريد دمكم
تريد دما ينقذ ابنتها و جنينها
أي ظلم هذا و سفاحنا يجلس في قصره يضرب حصاره و يريد دمنا ليشبع غرائزه اللابشرية
أي ظلم هذا و العالم كله يتفرج و كأننا ضحية مصاص دماء في فلم من افلام هوليود المرعبة
الجمعة، 29 أغسطس 2014
بحاجة إلى دم
الثلاثاء، 19 أغسطس 2014
لحظة انهيارنا يوم المجزرة
21/8/2013
اﻷربعاء العاشرة و النصف مساء
ما يقارب عشرون ساعة على المجزرة
عشرون ساعة مليئة بالفوضى و الارتباك و الضغط الهائل و الخوف الشديد من المجهول المرتقب الذي أصبح واقعا
لم يتح للذهن التروي و التفكير لاي تصرف فكل ما فعلناه يومها كان ردود أفعال لا إرادية جهزها ذهننا في مخيلته
في هذه اللحظة وصلت اول دفعة من المساعدات التي لطالما طالبنا بها قبل المجزرة و لكن كان لا بد من الشهداء كي نحصل عليها
اضطررت للخروج من مكتبي للاستلام و التوقيع
كان التوقيع على استلام مواد طبية فاتورتها شهداء أقسى ما واجهت يومها
سقطت باكيا
الدكتور خالد الدومي رئيس مكتب دوما الطبي يومها طلبني في نفس اللحظة فكنا بدأنا نصحو و نطمأن على بعضنا و على عائلاتنا ......... وجدني ابكي و ظن للوهلة اﻷولى أني فقدت أحدا
بكينا معا
لا أعرف وصف الشعور
لشدة التوتر و القلق كنا ننسى أسماء بعضنا في بعض اﻷحيان
أتت الرائعة رزان زيتونة بعد عدة أيام إلى مكتبي لتحضير بعض التقارير
ضحكنا لمجرد أننا رأينا بعض سالمين رغم أننا كنا قد تحدثنا على السكيب عدة مرات
ثم صمتنا قليلا و قبل ان نبكي كانت رزان قد وجدت موضوعا يتحدث به الجميع بانشغال كي لا نبكي
تعرضت الغوطة لمئات الأحداث منذ ذلك اليوم
نحكي قصة الكيماوي و بإمكانكم النسخ على كل مفخخة و على كل غارة و على كل خطف و كل اغتيال
الخميس، 7 أغسطس 2014
هوية مواطن
أحد أصدقائي الشباب المبدعين في الثورة في محادثة على التشات معه من دوما يقول :
أنا اﻵن عبارة عن حساب فيس بوك
ما عندي أي وسيلة أعرف بها عن نفسي
ما عندي جواز سفر
هويتي احترقت بأحد القذائف التي طالت دوما
اضبارتي بالجامعة سحبها اﻷمن و شبيحة جامعة دمشق و ما عندي أي إثبات أني طالب جامعي
لا أستطيع الذهاب لدمشق و أطلب ثبوتيات بدل التي احترقت
أنا حساب فيس بوك
يعرفه الكثيرون و الإعجابات و المشاركات تملأ صفحتي لكن .....
لكن ماذا يا صديق ؟؟؟؟
أنت إنسان عظيم مبدع حالك حال الكثيرين من أبناء بلدي
أبحث لك عن حل و لا أجد ...... أنت لست حساب فيس بوك فحسب ....... أنت حكاية عجزنا و تخيل البعض أنهم أقامو دولة و حكومة و وزراء و هم عاجزون أن يرجعوا للإنسان وطنه الذي ضيعوه بتفاهاتهم و نزاعاتهم و هو يبحث عنه
صديقي لهويتنا السلام فقد ضاعت
الأحد، 3 أغسطس 2014
نعمة البكاء
1- في بداية الشهر السابع عام 2012 كانت دوما تلملم جراحها بعد مجزرة أودت بحياة 300 من أبنائها في اقتحام همجي لقوات الأسد
أتى رجل في الاربعينيات من عمره إلى شعبة الهلال الأحمر في دوما التي كانت قد واصلت عملها بعد انقطاع لم يتجاوز 3 أيام بعد أن فقدت عدة من متطوعيها معتقلين
كان يريد من سيارة الهلال الأحمر أن تذهب لدمشق لتحضر له ابنه و عند السؤال اكتشفنا أنه مع عائلته كان ضحية مجزرة فقد فيها زوجته و ابنه و ابنته و جميع اخوته مع زوجاتهم و ابنائهم و نجا هو و ابنته ذات العشر اعوام و ابنه معتصم ذو الاحدى عشر شهرا و قد اخبره احد الأشخاص أن ابنه في أحد مشافي دمشق و جاء طالبا المساعدة مع ابنته فاطمة لنجلب معتصم
كانت دمشق تعيش اشتباكات الميدان وقتها و كانت أجزاء كبيرة من دمشق مغلقة و من الصعب تحريك سيارة هلال أحمر خصوصاً أن آخر سيارة استهدفت باعتقال طاقمها كاملا يوم المجزرة
بحثت عن حل و وجدت أن سيارة مدنية ستكون أكثر قدرة على الحركة و طلبت من أحد الأصدقاء سيارته و من صديق آخر أن يقودها و ذهب الأب مع حماته ليجلبو معتصم الذي كان عيد ميلاده الأول بعد أيام
معتصم مصاب بطلق ناري في البطن على يد جزار صف عائلة كاملة بالجدة و الابناء و الأحفاد و زوجات الأبناء و جاءت فاطمة لتحمل مدخراتها التي بلغت 500 ليرة لتقول للجزار اقتلنا جميعا و اترك معتصم و اختبئت وراء ابيها لتنجو معه و لتخترق الرصاصة معتصم و تقتل الأم التي تحمله و ينجو معتصم مع أبيه و أخته فاقدا أمه و اخ و أخت و أعمامه و زوجات أعمامه و أبنائهم جميعاً
بقي معتصم فترة طويلة يزور شعبة الهلال لنغير الضماد للبطن الصغير المخيط في أحد مشافي دمشق و بقي ابيه كل يوم في الليل يجلس القرفصاء على باب بيته في الظلام لا يكلم أحدا
- في بداية عام 2014 جاء أحد الأطباء في الغوطة متأخرا عن موعد بيننا و الدموع تحبس نفسها في عينيه
تثاقل السؤال في فمي و من ثم انطلق باحثا عن إجابة
جاء رجل من عدة ايام للطبيب قائلا له كلفت بقتلك من أحد الجهات و قد راقبتك عدة أيام و ما وجدت منك إلا مساعدة الناس و اللهفة على الجريح و انا اتيت إليك لأعترف بما يحصل و أنا اول من سيحميك
قذيفة عشوائية اعتاد عليها اهل الغوطة طرحت الرجل جريحا في غرفة العمليات و ينادى على الطبيب ليجد الرجل على طاولة العمليات بين الحياة و الموت دون أن يسعفه الوقت في اتخاذ الإجراء اللازم فبكى الطبيب خوفاً من أن يكون هناك شيء في قلبه أخره عن إسعاف من كان يود قتله
- شتاء 2013 -2014 طفلة أسعفت من أحد المدارس بدوار شديد سببه قلة الوارد الغذائي و حين أتت الأم قال اليوم ليس دورها في الطعام ....... لدي ابنتان و كل يوم تأكل أحداهما فلاطعام لدينا
- أحد أصدقاء طفولتي خبير في التمديدات الكهربائية يحمل عاتق كل مولدات المكتب الطبي على عاتقه مصاب بالتصلب اللويحي و يحتاج انترفيرون 3 مرات في الاسبوع ...... خرجت من الغوطة منذ شهرين و أنا أحاول أن أجد مهربا يأتيه بدواءه من دمشق دون جدوى
- 21 آب 2013 عشرة آلاف شخص استيقظوا في النقاط الطبية متفرقين عن عائلاتهم و ابنائهم و اخوتهم
كانوا نياما استيقظ بعضهم و ما زال هناك 1466 شخص نائمون حتى اللحظة
و الضحايا هم من استيقظوا و من لم يصابوا فالرعب أصعب من النوم بالكيماوي
- بسام طفل عمره ثلاث سنوات أتت امه إلى مكتبي في الغوطة في نهاية عام 2013 طالبة مني أن أبحث له عن طريقة لنعالج كبده المصاب بعد أن حصلنا على تقرير طبي بصعوبة و مخاطرة كبيرة من أخصائي في دمشق بأنه يحتاج زرع كبد و الأم تظن أن زرع الكبد كزرع السن
بحثت طويلاً عن طريقة نخرجه فيها و نجد متبرعاً يكفله في احد المشافي القليلة في العالم التي تجري هكذا نوع من الجراحات و كان لا بد من الشرح للأم عن الصعوبات كي لا تصطدم بالواقع و قد سردت لها الصعوبات واحدة تلو الأخرى و كللتها بالصعوبة الأكبر و هي إيجاد متبرع بكبده لبسام
التفتت الأم يمنة و يسرة لتتأكد من أحدا لا يسمعها و قالت أعطيه كبدي ......... أجبتها ستموتين و قالت أعلم و لكن أرجو أن لا يعلم أبوه أنني سأخرج معه لأعطيه كبدي
بسام مات بعد عدة أسابيع مخلصاً إياي من عقدة الذنب بأني لم أستطع شيئا و جاءت الأم حتى بعد وفاته تشكرني لأني بحثت لها عن مخرجاً
ما زال الغرب حتى اليوم يطلب مننا سرد قصة الكيماوي و يبكي حين نحكي له عن الأسر التي تفرقت و عن العائلات التي نامت بأكملها و لم تستيقظ
هنيئا لكم بقدرتكم على البكاء
الكيماوي من مآسي الغوطة لا يتجاوز ما ذكرت من أمثلة من ملايين القصص
قصة بسام ذكرتها ليس لأن بسام مات في الحصار بل كان من الممكن أن يموت في غير بقعة من الأرض فمن الصعب علاجه و لكن ذكرتها لأن أمه أرادت أن تعطيه كبدها و تموت دون حتى أن يعلم زوجها و والد طفلها فقد ملت من البكاء و التحدث عن مشكلة بسام و نحن هكذا مللنا الحديث
هكذا هي مآسينا ...... والد معتصم و ام بسام و الطبيب المستهدف و صديقي المصاب بالتصلب اللويحي يكملون حياتهم دون بكاء
ابكوا فقد فقدنا القدرة على البكاء
ابكوا و تذكروا الكيماوي فصدقوني من رأى الأطفال نياما يومها و لم يستيقظوا يعلم أنه هو الضحية لأنه ما زال صاحياً