الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

برتقال

منذ 5 أيام اشتريت كرمنتينا و تذوقتها للمرة اﻷولى و الحمد لله بعد انقطاع دام عامين و رأيت بعدها عدة بوستات ﻷصدقاء من الغوطة حول البرتقال
لم أكن أعلم كابن للغوطة أننا لا نملك شيئا من أشجار الحمضيات حتى جاء الشتاء الماضي و اكتشفت بشكل تفصيلي ما تزرع و ما لا تزرع الغوطة.
الشتاء الماضي كان عمر فارس 8 شهور و كانت مشكلتنا الرئيسية مع الحصار حليب اﻷطفال و الحفوضات كعائلة لديها رضيع.
لم يكن بالساهل إيجاد حفوضات للطفل و كان علي أن أبحث في كل مكان ﻷجد كيسا متبقيا هنا أو كيسا مهربا من هناك ..... و كان باعة المنظفات يعرفون طلبي و يعتذرون قبل أن أسأل بابتسامة لطيفة : و الله ما أجانا حفوضات يا دكتور ..... حقك علينا
كان اعتذارهم مؤلما لسببين أولا لعدم تلبية طلبات فارس الذي بات ينزف لقلة الحفوضات و ثانيا لبحثهم كجيران و أصدقاء عن متسبب ﻷزمة فارس حتى لو كانوا هم أنفسهم بقولهم : حقك علينا ..... بعضهم كان يعرف فارس شخصيا و يقولون : حقك و حق فارس علينا.
كانت الابتسامة العريضة لعبد الرحيم أحد الأصدقاء تعني شيئا في ذلك اليوم
كانت الغيوم و الأمطار قد بلت قلوبنا قليلا و لمن لا يعرف فيوم ماطر هو يوم بلا طيران أيضا مما يتيح حركة أفضل في السوق و ما أجمل نزلة البرد مقابل نزلة الميغ .
كان أجمل ما رأيت يومها إلى جانب ابتسامة عبد الرحيم التي تعني تخفيف معاناة فارس قليلا هو ذلك اللون البرتقالي الجميل على الرصيف المقابل.
الخرمة أو الدرابزين الخرمسي كما نسميه تملك ذات اللون و كنا نستطيع الحصول عليها من حين ﻵخر و كان قطع الطريق الضيق لصدمة أخرى أن ما أراه هو الخرمة و ليس البرتقال سيكون مؤلما و كان القلق الجانبي هو سعر الكيلو إن كان قلقي اﻷول حول خداع البصر الخرمي اليومي ليس في محله هذه المرة
عبد الرحيم فهم النظرات و قال لي : اي دكتور .... هاد بردقان
كيس الحفوضات في يدي اليمنى و قطعت الشارع لاجد ان البرتقال ليس سرابا
كنت أعلم آلية شراء البضائع المفقودة ..... لا نقاش في السعر و اﻷفضل أن لا تسأل لأنك إن علمت السعر لن تشتري
وضعت خمس برتقالات من أصل كرتونة البرتقال الوحيدة الموجودة في كل السوق على الميزان و البائع بإجابة باردة خجولة قال : 1800 ليرة أي ما يقارب 12 دولار ذاك الوقت.
12 دولار في منطقة لا يصل دخل معظم قاطنيها لمائة دولار شهريا للعائلة التي لديها أحد يعمل.
كان ذلك أقسى من ثمن كيس الحفوضات الذي لا بد منه..... عكس البرتقال الذي كان امتلاكه كامتلاك مرسيدس موديل العام من الفئة اس كاملة المواصفات فذلك يعطيك شعورا بالخجل و انت تحمل تلك البرتقالات الخمس عبر الشارع.
ما زلت أذكر اتخاذ القرار بتقشير برتقالة من البرتقالات الخمس كم يستلزم من التفكير.
ما زلت اذكر نهم فارس للبرتقال الذي تذوقه للمرة اﻷولى ذلك اليوم
ما زلت أذكر تلك الفرحة الجميلة على وجه زوجتي الصبورة حين دخلت بالبرتقالات الخمس و الضحكة الجميلة  حين رأت كيس الحفوضات بيميني و كيس البرتقال بيساري.
ما زلت أذكر كل مرة دخلت فيها إلى المنزل حاملا بازلاء يابسة أو فولا أو عدسا أو الحلم اﻷبيض الجميل المسمى رز و سكر أو أحدهما على اﻷقل ..... كيف كانت نظراتها الممنونة و كأني أتيتها بخاتم من الماس.
أهلنا في الغوطة سامحوني فأنا آكل البرتقال هاهنا في عنتاب الملوثة بمؤسسات المعارضة المتخمة و أنتم تحرمون كل شيء في هواء الغوطة النقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق