في مثل هذه الليلة منذ عام
كنت أعد طعام العشاء منتظرا بعض الأصدقاء من المشفى لنتناول العشاء سوية و كنت أسلق بعض اللحم .
دق الباب .... كان أبو محمد مجدرة على الباب و دخل إلى المنزل ملقيا السلام بهدوء .... كانت عيونه تتلفت يمنة و يسرة ليتأكد أن لا أحد في المنزل و حين اطمأن قال لي : البس ثيابك ... آن الأوان ....
قلت له سأطفأ النار تحت الطعام و أبلغ اﻷصدقاء كي لا يأتوا ...
كان حريصا و حذرا فقال لي أبلغهم أن لديك أمرا طارئا .
و وقف جانبي يستمع كي يتأكد أن لساني لن يزلق بكلمة .
كنت متفق مع صديقي و أخي الكبير و نديم سهرات الشتاء الطويلة في الغوطة أبو عادل الطوخي على كل التفاصيل ... كل شيء بمكانه منذ أسابيع إلا محفظتي فقد كانت في العيادة ...
فقلت لابو محمد أحتاج 5 دقائق ... أجاب بحزم عند الدقيقة السادسة سأمشي ...
ركضت و جلبت محفظتي من العيادة و ركبت بالسيارة و ابو محمد يتلو علي التعليمات على الطريق .... لا كلام مع الدليل ... تضع قدمك حيث يضع قدمه .. تركض حين يركض ... طوال الطريق لا أحد يعرف لا اسمك و لا مهنتك و لا حتى اسمك الحركي و طلب مني اسما خاصا بالطريق و قلت له يومها لقبي الحقيقي .... أبو أحمد ... كنت قد نسيت أني أبو أحمد و لست أبو علي و كانت الناس قد نست أيضا .
وصلنا مكان الانطلاق .... كان عليي خلع النظارة و حتى خاتم الزواج كي لا يلمع في الظلام ....
مشينا و زحفنا و ركضنا ... تهنا قليلا و بعد ساعات طويلة من المشي بدأنا نقترب من اﻷضواء و بدأ الدليل يتكلم بصوت مرتفع و علمت عندها أن الوضع أصبح أقل خطرا .... و التفت إلي و قال أترى الكهرباء .... ضوء بدون ضجيج المولدات ... أتشم رائحة الخبز ؟
لم أجب و استمريت في المشي ... ارتحنا في النهار و أكملنا المشي في الليلة التالية و رزقنا الله مطرا ليلتها حتى ابتل معطفي الجلدي الذي نصحني أبو محمد بأن ألبسه ...
في كل مسافة من الرحلة دليلها ... و كل يحدثك برائحة الخبز.
طاردنا الطيران و القى براميله علينا عدة مرات ... اختبئنا .. خفت كثيرا حتى انقطعت أنفاسي عدة مرات ... أغمي علي مرتين أثناء المسير الطويل ... و حملني شابان لا أعرف اسميهما.
في كل مرحلة كان سؤال الدليل ... وينه تبع الغوطة ؟ أكلت خبز ... تشرب كولا ؟
وصلت اﻷردن بعد 11 يوما و بقيت على حدودها عدة أيام حتى دخلت و بقيت في الزعتري خائفا من صوت الطيران الأردني الذي يمشط الحدود ....
في اﻷردن كنت أبكي معظم الوقت .... و اتصلت مع أبو غسان علايا و الاستاز جهاد عزو ليساعدوني في الخروج
كان سؤال كل من التقيه و يعلم أني من الغوطة : هل أكلت ؟
هل تريد طعاما ... بعضهم سألني هل تريد فروج ؟
بعد 20 يوما وصلت الريحانية في تركيا قادما عبر مطار عمان فاستنبول حيث التقيت ديمة و فارس
في المساء في الريحانية قالت ديمة نحتاج حليب و حفوضات لفارس .....
دخلت سوبر ماركت و شاهدت قطرميز شوكولا يلمع مزهوا من بعيد ..... كن اقترب شيئا فشيئا لاتذكر ما كان اسم تلك الشوكولا .... نعم أنها نيوتلا
استأجرت سيارة من الريحانية و تجرأت ﻷقودها إلى عنتاب .... كانت عيناي تراقب مؤشر الوقود طيلة الطريق كعادتنا في الغوطة .
أوقفتنا الجندرما التركية على الطريق .... كان قتيبة رافقني في تلك الرحلة و استشعرت بالاطمئنان من طريقة لا مبالاته للجندرما و اكتشفت فيما بعد أن هناك جيوشا لتحمي البلاد لا لتحمي أنظمتها و لا يستوجب تفتيشها خوفا و اكتشفت فيما بعد أن قتيبة لا يبالي لا للجندرما و لا لغيرها .
استقبلنا في عنتاب محمود أبو الفوز و كان قد استأجر لنا منزلا صغيرا و أخذنا لنشتري حاجياتنا من السوق و كنت أغمض عيوني قليلا لأتحاشى إضاءة اﻷسواق القوية و قال لي : ماذا تشتهي من طعام فقلت له بدون تردد : شاورما جاج .....
أحب شاورما الدجاج كثيرا و كنت استعيض عنها بأن اطبخ شاورما اللحم بيدي في الغوطة فاللحم متوفر و الدجاج من اﻷحلام ....
ذهبنا إلى مطعم حلبي و كنت أفكر .... هل أطفأت النار تحت اللحم ليلة خرجت أم أن أبو محمد منعني بحزمه من ذلك و لم استمتمع يومها بالشاورما و لم أفعل حتى اليوم و لا أجد حتى اليوم في كل تركيا شاورما مثل العوافي في دوما .
أخرجني يومها أبو محمد من الغوطة و في كل مرحلة كان له شخص يقوم برعايتي و تأمين طريقي و كان مجمل عددهم 8.
اطمأن عليي حين وصلت عبر الفايبر .....
أبو محمد عدس أو كما كان لقبه مجدرة .... شهيدا جميلا مع 5 أشخاص ممن ساعدوني على الطريق بعضهم بيد داعش و بعضهم بيد النظام و أبو محمد اغتيل في الغوطة بيد غادرة خلال هذا العام.
هل أكلت ... أترى الكهرباء بدون ضجيج المولدات ... أتعرف هذا الذي يدعى فروج ؟ ... أتشم رائحة الخبز ؟
لا و الله ما خرجت ﻷجل هذا ..... خرجت ﻷني أريد بقعة لا يطير حقد اﻷسد فوقها .... خرجت ﻷني أريد اﻷمان لعائلتي ....
بعد أن خرجت زوجتي باسبوع من الغوطة قصف منزلنا و امتلأ سرير فارس بالشظايا الذي كان لم يبلغ عاما بعد .
قبلها بشهر عدت المنزل فوجدتها تبكي ﻷن فارس كان ينزف من أكياس النايلون التي كنا نستعملها عوضا عن الحفوضات ....
أحقا يستحق طريق الخروج كل هذه المعاناة ..... ؟؟؟؟
بل إن طريق العودة يستحق أكثر من ذلك .... سامحوني جميعا يا من تركتكم هناك فما عدت قويا مثل ذي قبل .... أعمل هنا 14 ساعة يوميا و لكن لا قوة لي ﻷسمع هدير الطائرات فوقي.
سامحوني إن عدت ﻷنعم بوطني بعد انتصاركم يوما
الأربعاء، 20 مايو 2015
سنعود
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق