الخميس، 27 نوفمبر 2014
دعاء
الجمعة، 14 نوفمبر 2014
غربة
حين وصلت عنتاب و بعد عدة أيام كان لا بد من إجراء عملية يعرفها كل الوافدين الجدد إلى تركيا بقصد الإقامة و هي تتريك التلفون المحمول.
موبايلك الذي اشتريته من خارج تركيا بثمن أقل من نظيره التركي لن يعمل لأكثر من اسبوعين في تركيا بما يكفي سائحا عابرا ليستخدم جهازه أما المقيم فلن يعمل هاتفه و سيتوقف بعد برهة و لذا عليك إما استبداله أو ((( تتريكه )))
كنت مع صديقي محمود الذي يقطن عنتاب منذ ما يقارب العام و هو كان دليلنا حين وصلنا في معظم الأمور .
كنا نبحث عن محل معين صاحبه سوري ..... أرسلنا له أحد الأصدقاء ..... تهنا قليلا عن المحل و توقف محمود و قال سنسأل أحد السوريين من المنطقة فلا بد أن يعرف ....
وقف محمود يراقب المارة لدقيقة ......... شاب يمشي وحده استوقفه محمود دون سابق إنذار و كلمه بالعربية : السلام عليكم ..... أخي وين محل الاتصالات فلان الفلاني
ذهلت بقدرة محمود على تمييز الوجه السوري بين الوجوه التركية التي لا تفرق ملامحها بشيء عن السوريين بعكس الأتراك الذين لطالما أوقفوني يسألوني بالتركية عن مكان ما في حيينا بالتركية دون أن يميزو أني سوري.
اليوم أصبحت أدرك كيف تكتشف الوجوه السورية .....
سترى تلك الابتسامة السورية لم تختف عن الوجوه رغم كل التعب ......
سترى شاباً يعمل نادلا في أحد المطاعم أو عاملاً في أحد الأفران أو بائعاً هنا أو هناك ....... سترى تعبه و هجرته و ألمه يغطيها بابتسامة تميزه عن الجدية التركية .
الأتراك قلما يبتسمون ....... قلما يضحكون و تلك الابتسامة اللطيفة التي يراها زائروا تركيا في الأماكن السياحية ستختفي حالما تبتعد أمتاراً قليلة عن الأماكن السياحية و ذلك لا يذمهم في شيء فللحق معظمهم يلعب مع فارس عندما يراه و يرحب بقوله : هوشجالدينيز ( اهلا و سهلا ) و لربما يعطيه قطعة من الشوكولا أو مما يطعم به ابنه بكل ود و لكن دون ابتسامة تطمئن.
سترى السوريون يجدون طريقتهم في الضحك و الابتسام ليغطوا خوفهم من المجهول القادم .... تعبهم من رحلة اللجوء الغير واضحة النهاية ...... ألمهم من حبيب تركوه حيث يعلمون أو لا يعلمون.
قلقهم من كل شيء حتى مني أنا السوري بعد تجارب طويلة مع سوريين امتهنوا النصب على أبناء وطنهم .
أبحث عن منزل منذ ست شهور فانا أقطن في استديو صغير لا تتجاوز مساحته 40 مترا و تعرضت للعديد من محاولات النصب من سوريين عدا عن عشرات المرات من سؤال الأتراك و الإجابة المعهودة : سوري يوك .... يابانجي يوك
و حتى الديبلوماسي منهم يرفع أجرة منزله ضعفاً او أكثر كي يقصيك عن استئجاره لكثر ما رأوا من سوريين مثلنا من سرقات و عادات سيئة و استهتار بالممتلكات و الجيران ...... عدا عن السمعة السيئة التي تتمتع بها مؤسسات المعارضة كالائتلاف و الحكومة المؤقتة و قد سمعت العديد من الأتراك بعضهم في مناصب مهمة يتحدثون عن الائتلاف اللاهث وراء المعونات دون السعي لتغيير شيء من الواقع بل كل ما يهمه هو الشقق الفخمة و السيارات الفارهة ليتجول بها بين الفنادق التركية .
نلتقي في الحدائق و في المطاعم نميز بعضنا من الابتسامة الخجولة على الوجوه قبل أن نتكلم و فورا يبدأ كل مننا بالتكلم عن مشاكله و مأساته عدا عن فضول أغلبنا لمعرفة ظروف الآخر الغريب القريب
قليل مننا يتقن حمد الله و تفويض أمره لرب العالمين و لربما هذا جزء من مأساتنا في الغربة القريبة .
ستسمع قصص السوريين هنا عن بلاد الكفار التي لا ننفك نسعى إلى الوصول إليها ....... ستسمع الامهات يتحدثن عن تلك العادات الكافرة التي يعلمها الغرب لأطفالنا في المدارس و تراها في اليوم الثاني تتحدث عن سعيها للهجرة إلى إحدى تلك البلدان التي تسمح المدارس تعليم ابنها فيها فلا مدرسة تأويه.
سترى تلك الشريحة اللاهثة هنا للمال ...... بعضهم يعمل في تزوير الجوازات و بعضهم يعمل في استئجار و تأجير البيوت و بعضهم يعمل في التهريب إلى أوروبا و بعضهم يعمل في بيع السيارات المسروقة من سوريا و .......
هم أنفسهم كانوا يفعلون أمورا مشابهة في كنف النظام
سترى السوري يمشي خجلاً بكل هؤلاء محاولاً أن يعطي انطباعا مغايراً عن السوريين بابتسامة يخفي بها ألمه و عاره بأشقاءه ......
سوري يوك ...... يابانجي يوك ....... عبارة مؤلمة أبكت زوجتي عدة مرات و مع ذلك ما زلنا نبتسم و نحن نمشي في طرقات عنتاب الجميلة نبحث عن تلك الوجوه المبتسمة بين الجموع ...... تبادلنا الابتسام و الأمنيات بغد أفضل
و ترحل بسرعة خوفاً من صديق سوري جديد قد تتعرف عليه لتتلقى صدمة جديدة بعد أيام .
نجاتي مستثمر شقق تركي يعرفه أغلب السوريين هنا و مشهور بقسوته و استغلاله
نعم هو يؤجر السوريين و لكن بسعر قاس و لكنه موحد للجميع و لم يذكر أحد أنه استطاع استعادة مبلغ تامين المنزل من نجاتي و كل الأبنية التي يستثمرها نجاتي بيوت صغيرة كبيتي تصلح سكناً مؤقتاً .
عدة تجارب مع سماسرة سوريين أثبتت ان نجاتي أفضل منهم جميعاً
منذ أيام احتجت شيئا من محل موبايلات و ذهبت لذات المحل الذي أخذ مني 30 ليرة تركية لقاء ( تتريك ) جهازي حين وصلت منذ ست شهور و كان لديه زبون يتكلم نفس لهجته و يبدو أنهم يعرفون بعضهم قبل هجرتهم من سوريا
كان يحمل نفس جهازي و كان السعر 10 ليرات تركية لتتريك الجهاز ....... يبدو أن لكنتي لم تعجبه و أخذ 3 أضعاف مني أنا........ فلا عجب إن لم يرجع نجاتي التركي التأمين للسوريين و لا عجب إن حدثنا الجيران بفضول شديد يرافقه حذر أكثر شدة و وطأة علىينا نحنا هنا الغرباء بطوعنا ...... و أخجل أن أقول أننا غرباء قسرا فو الله لا يميز من بقي في مدينته في سوريا عنا إلا الشجاعة و الإيمان و ما أكبرهما من فارق.
الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014
برتقال
منذ 5 أيام اشتريت كرمنتينا و تذوقتها للمرة اﻷولى و الحمد لله بعد انقطاع دام عامين و رأيت بعدها عدة بوستات ﻷصدقاء من الغوطة حول البرتقال
لم أكن أعلم كابن للغوطة أننا لا نملك شيئا من أشجار الحمضيات حتى جاء الشتاء الماضي و اكتشفت بشكل تفصيلي ما تزرع و ما لا تزرع الغوطة.
الشتاء الماضي كان عمر فارس 8 شهور و كانت مشكلتنا الرئيسية مع الحصار حليب اﻷطفال و الحفوضات كعائلة لديها رضيع.
لم يكن بالساهل إيجاد حفوضات للطفل و كان علي أن أبحث في كل مكان ﻷجد كيسا متبقيا هنا أو كيسا مهربا من هناك ..... و كان باعة المنظفات يعرفون طلبي و يعتذرون قبل أن أسأل بابتسامة لطيفة : و الله ما أجانا حفوضات يا دكتور ..... حقك علينا
كان اعتذارهم مؤلما لسببين أولا لعدم تلبية طلبات فارس الذي بات ينزف لقلة الحفوضات و ثانيا لبحثهم كجيران و أصدقاء عن متسبب ﻷزمة فارس حتى لو كانوا هم أنفسهم بقولهم : حقك علينا ..... بعضهم كان يعرف فارس شخصيا و يقولون : حقك و حق فارس علينا.
كانت الابتسامة العريضة لعبد الرحيم أحد الأصدقاء تعني شيئا في ذلك اليوم
كانت الغيوم و الأمطار قد بلت قلوبنا قليلا و لمن لا يعرف فيوم ماطر هو يوم بلا طيران أيضا مما يتيح حركة أفضل في السوق و ما أجمل نزلة البرد مقابل نزلة الميغ .
كان أجمل ما رأيت يومها إلى جانب ابتسامة عبد الرحيم التي تعني تخفيف معاناة فارس قليلا هو ذلك اللون البرتقالي الجميل على الرصيف المقابل.
الخرمة أو الدرابزين الخرمسي كما نسميه تملك ذات اللون و كنا نستطيع الحصول عليها من حين ﻵخر و كان قطع الطريق الضيق لصدمة أخرى أن ما أراه هو الخرمة و ليس البرتقال سيكون مؤلما و كان القلق الجانبي هو سعر الكيلو إن كان قلقي اﻷول حول خداع البصر الخرمي اليومي ليس في محله هذه المرة
عبد الرحيم فهم النظرات و قال لي : اي دكتور .... هاد بردقان
كيس الحفوضات في يدي اليمنى و قطعت الشارع لاجد ان البرتقال ليس سرابا
كنت أعلم آلية شراء البضائع المفقودة ..... لا نقاش في السعر و اﻷفضل أن لا تسأل لأنك إن علمت السعر لن تشتري
وضعت خمس برتقالات من أصل كرتونة البرتقال الوحيدة الموجودة في كل السوق على الميزان و البائع بإجابة باردة خجولة قال : 1800 ليرة أي ما يقارب 12 دولار ذاك الوقت.
12 دولار في منطقة لا يصل دخل معظم قاطنيها لمائة دولار شهريا للعائلة التي لديها أحد يعمل.
كان ذلك أقسى من ثمن كيس الحفوضات الذي لا بد منه..... عكس البرتقال الذي كان امتلاكه كامتلاك مرسيدس موديل العام من الفئة اس كاملة المواصفات فذلك يعطيك شعورا بالخجل و انت تحمل تلك البرتقالات الخمس عبر الشارع.
ما زلت أذكر اتخاذ القرار بتقشير برتقالة من البرتقالات الخمس كم يستلزم من التفكير.
ما زلت اذكر نهم فارس للبرتقال الذي تذوقه للمرة اﻷولى ذلك اليوم
ما زلت أذكر تلك الفرحة الجميلة على وجه زوجتي الصبورة حين دخلت بالبرتقالات الخمس و الضحكة الجميلة حين رأت كيس الحفوضات بيميني و كيس البرتقال بيساري.
ما زلت أذكر كل مرة دخلت فيها إلى المنزل حاملا بازلاء يابسة أو فولا أو عدسا أو الحلم اﻷبيض الجميل المسمى رز و سكر أو أحدهما على اﻷقل ..... كيف كانت نظراتها الممنونة و كأني أتيتها بخاتم من الماس.
أهلنا في الغوطة سامحوني فأنا آكل البرتقال هاهنا في عنتاب الملوثة بمؤسسات المعارضة المتخمة و أنتم تحرمون كل شيء في هواء الغوطة النقي
الجمعة، 29 أغسطس 2014
بحاجة إلى دم
نقطة اﻹسعاف بحاجة إلى دم A+
هل يعلم أحد ماذا يعني ذلك .... ؟
أي أن سافلا سلط نيران حقده على أهلنا فأصيب من أصيب و استشهد من استشهد
أي أن من أصيبوا نقلوا تباعا إلى نقطة اﻹسعاف و استهلكت أكياس الدم في البراد واحدا تلو اﻵخر حتى جاء مصاب يحتاح دما و لا يوجد
أي أن كل من في النقطة الطبية و حرسها و جيرانها و مسعفيها و مارة الطريق قد سئلوا إن كان هناك من متبرع و جميعهم إما تبرع حديثا و لا يستطيع أو زمرته لا تتطابق
أي أن أما ترتجف عيناها بحثا عن متبرع دون أن تجد
في أحد اﻷيام و قبل أذان الفجر بقليل ....... كنت جالسا عند أبو عماد صديقي الذي يشرف على مولدات المكتب الطبي ليلا
و جاءت إحدى اﻷمهات في مشهد اعتدنا عليه تسأل عن احدى الزمر
كانت ابنتها الحامل أصيبت و تحتاج دما
لم تتطابق الزمرة المطلوبة مع أحد ..... نصحناها بالتوجه إلى المسجد حيث موعد الصلاة اقترب و طلبنا الزمرة على اللاسلكي و عبر غروبات النت في دوما كما هو معتاد
بعد الصلاة وقفت اﻷم تستجدي زمرة ابنتها لتنقذ لربما روحان معا
أي ظلم هذا أن تقف أمك على باب المسجد ......
ليس الموضوع مساعدة مالية ..... أريد دمكم
تريد دما ينقذ ابنتها و جنينها
أي ظلم هذا و سفاحنا يجلس في قصره يضرب حصاره و يريد دمنا ليشبع غرائزه اللابشرية
أي ظلم هذا و العالم كله يتفرج و كأننا ضحية مصاص دماء في فلم من افلام هوليود المرعبة
الثلاثاء، 19 أغسطس 2014
لحظة انهيارنا يوم المجزرة
21/8/2013
اﻷربعاء العاشرة و النصف مساء
ما يقارب عشرون ساعة على المجزرة
عشرون ساعة مليئة بالفوضى و الارتباك و الضغط الهائل و الخوف الشديد من المجهول المرتقب الذي أصبح واقعا
لم يتح للذهن التروي و التفكير لاي تصرف فكل ما فعلناه يومها كان ردود أفعال لا إرادية جهزها ذهننا في مخيلته
في هذه اللحظة وصلت اول دفعة من المساعدات التي لطالما طالبنا بها قبل المجزرة و لكن كان لا بد من الشهداء كي نحصل عليها
اضطررت للخروج من مكتبي للاستلام و التوقيع
كان التوقيع على استلام مواد طبية فاتورتها شهداء أقسى ما واجهت يومها
سقطت باكيا
الدكتور خالد الدومي رئيس مكتب دوما الطبي يومها طلبني في نفس اللحظة فكنا بدأنا نصحو و نطمأن على بعضنا و على عائلاتنا ......... وجدني ابكي و ظن للوهلة اﻷولى أني فقدت أحدا
بكينا معا
لا أعرف وصف الشعور
لشدة التوتر و القلق كنا ننسى أسماء بعضنا في بعض اﻷحيان
أتت الرائعة رزان زيتونة بعد عدة أيام إلى مكتبي لتحضير بعض التقارير
ضحكنا لمجرد أننا رأينا بعض سالمين رغم أننا كنا قد تحدثنا على السكيب عدة مرات
ثم صمتنا قليلا و قبل ان نبكي كانت رزان قد وجدت موضوعا يتحدث به الجميع بانشغال كي لا نبكي
تعرضت الغوطة لمئات الأحداث منذ ذلك اليوم
نحكي قصة الكيماوي و بإمكانكم النسخ على كل مفخخة و على كل غارة و على كل خطف و كل اغتيال
الخميس، 7 أغسطس 2014
هوية مواطن
أحد أصدقائي الشباب المبدعين في الثورة في محادثة على التشات معه من دوما يقول :
أنا اﻵن عبارة عن حساب فيس بوك
ما عندي أي وسيلة أعرف بها عن نفسي
ما عندي جواز سفر
هويتي احترقت بأحد القذائف التي طالت دوما
اضبارتي بالجامعة سحبها اﻷمن و شبيحة جامعة دمشق و ما عندي أي إثبات أني طالب جامعي
لا أستطيع الذهاب لدمشق و أطلب ثبوتيات بدل التي احترقت
أنا حساب فيس بوك
يعرفه الكثيرون و الإعجابات و المشاركات تملأ صفحتي لكن .....
لكن ماذا يا صديق ؟؟؟؟
أنت إنسان عظيم مبدع حالك حال الكثيرين من أبناء بلدي
أبحث لك عن حل و لا أجد ...... أنت لست حساب فيس بوك فحسب ....... أنت حكاية عجزنا و تخيل البعض أنهم أقامو دولة و حكومة و وزراء و هم عاجزون أن يرجعوا للإنسان وطنه الذي ضيعوه بتفاهاتهم و نزاعاتهم و هو يبحث عنه
صديقي لهويتنا السلام فقد ضاعت
الأحد، 3 أغسطس 2014
نعمة البكاء
1- في بداية الشهر السابع عام 2012 كانت دوما تلملم جراحها بعد مجزرة أودت بحياة 300 من أبنائها في اقتحام همجي لقوات الأسد
أتى رجل في الاربعينيات من عمره إلى شعبة الهلال الأحمر في دوما التي كانت قد واصلت عملها بعد انقطاع لم يتجاوز 3 أيام بعد أن فقدت عدة من متطوعيها معتقلين
كان يريد من سيارة الهلال الأحمر أن تذهب لدمشق لتحضر له ابنه و عند السؤال اكتشفنا أنه مع عائلته كان ضحية مجزرة فقد فيها زوجته و ابنه و ابنته و جميع اخوته مع زوجاتهم و ابنائهم و نجا هو و ابنته ذات العشر اعوام و ابنه معتصم ذو الاحدى عشر شهرا و قد اخبره احد الأشخاص أن ابنه في أحد مشافي دمشق و جاء طالبا المساعدة مع ابنته فاطمة لنجلب معتصم
كانت دمشق تعيش اشتباكات الميدان وقتها و كانت أجزاء كبيرة من دمشق مغلقة و من الصعب تحريك سيارة هلال أحمر خصوصاً أن آخر سيارة استهدفت باعتقال طاقمها كاملا يوم المجزرة
بحثت عن حل و وجدت أن سيارة مدنية ستكون أكثر قدرة على الحركة و طلبت من أحد الأصدقاء سيارته و من صديق آخر أن يقودها و ذهب الأب مع حماته ليجلبو معتصم الذي كان عيد ميلاده الأول بعد أيام
معتصم مصاب بطلق ناري في البطن على يد جزار صف عائلة كاملة بالجدة و الابناء و الأحفاد و زوجات الأبناء و جاءت فاطمة لتحمل مدخراتها التي بلغت 500 ليرة لتقول للجزار اقتلنا جميعا و اترك معتصم و اختبئت وراء ابيها لتنجو معه و لتخترق الرصاصة معتصم و تقتل الأم التي تحمله و ينجو معتصم مع أبيه و أخته فاقدا أمه و اخ و أخت و أعمامه و زوجات أعمامه و أبنائهم جميعاً
بقي معتصم فترة طويلة يزور شعبة الهلال لنغير الضماد للبطن الصغير المخيط في أحد مشافي دمشق و بقي ابيه كل يوم في الليل يجلس القرفصاء على باب بيته في الظلام لا يكلم أحدا
- في بداية عام 2014 جاء أحد الأطباء في الغوطة متأخرا عن موعد بيننا و الدموع تحبس نفسها في عينيه
تثاقل السؤال في فمي و من ثم انطلق باحثا عن إجابة
جاء رجل من عدة ايام للطبيب قائلا له كلفت بقتلك من أحد الجهات و قد راقبتك عدة أيام و ما وجدت منك إلا مساعدة الناس و اللهفة على الجريح و انا اتيت إليك لأعترف بما يحصل و أنا اول من سيحميك
قذيفة عشوائية اعتاد عليها اهل الغوطة طرحت الرجل جريحا في غرفة العمليات و ينادى على الطبيب ليجد الرجل على طاولة العمليات بين الحياة و الموت دون أن يسعفه الوقت في اتخاذ الإجراء اللازم فبكى الطبيب خوفاً من أن يكون هناك شيء في قلبه أخره عن إسعاف من كان يود قتله
- شتاء 2013 -2014 طفلة أسعفت من أحد المدارس بدوار شديد سببه قلة الوارد الغذائي و حين أتت الأم قال اليوم ليس دورها في الطعام ....... لدي ابنتان و كل يوم تأكل أحداهما فلاطعام لدينا
- أحد أصدقاء طفولتي خبير في التمديدات الكهربائية يحمل عاتق كل مولدات المكتب الطبي على عاتقه مصاب بالتصلب اللويحي و يحتاج انترفيرون 3 مرات في الاسبوع ...... خرجت من الغوطة منذ شهرين و أنا أحاول أن أجد مهربا يأتيه بدواءه من دمشق دون جدوى
- 21 آب 2013 عشرة آلاف شخص استيقظوا في النقاط الطبية متفرقين عن عائلاتهم و ابنائهم و اخوتهم
كانوا نياما استيقظ بعضهم و ما زال هناك 1466 شخص نائمون حتى اللحظة
و الضحايا هم من استيقظوا و من لم يصابوا فالرعب أصعب من النوم بالكيماوي
- بسام طفل عمره ثلاث سنوات أتت امه إلى مكتبي في الغوطة في نهاية عام 2013 طالبة مني أن أبحث له عن طريقة لنعالج كبده المصاب بعد أن حصلنا على تقرير طبي بصعوبة و مخاطرة كبيرة من أخصائي في دمشق بأنه يحتاج زرع كبد و الأم تظن أن زرع الكبد كزرع السن
بحثت طويلاً عن طريقة نخرجه فيها و نجد متبرعاً يكفله في احد المشافي القليلة في العالم التي تجري هكذا نوع من الجراحات و كان لا بد من الشرح للأم عن الصعوبات كي لا تصطدم بالواقع و قد سردت لها الصعوبات واحدة تلو الأخرى و كللتها بالصعوبة الأكبر و هي إيجاد متبرع بكبده لبسام
التفتت الأم يمنة و يسرة لتتأكد من أحدا لا يسمعها و قالت أعطيه كبدي ......... أجبتها ستموتين و قالت أعلم و لكن أرجو أن لا يعلم أبوه أنني سأخرج معه لأعطيه كبدي
بسام مات بعد عدة أسابيع مخلصاً إياي من عقدة الذنب بأني لم أستطع شيئا و جاءت الأم حتى بعد وفاته تشكرني لأني بحثت لها عن مخرجاً
ما زال الغرب حتى اليوم يطلب مننا سرد قصة الكيماوي و يبكي حين نحكي له عن الأسر التي تفرقت و عن العائلات التي نامت بأكملها و لم تستيقظ
هنيئا لكم بقدرتكم على البكاء
الكيماوي من مآسي الغوطة لا يتجاوز ما ذكرت من أمثلة من ملايين القصص
قصة بسام ذكرتها ليس لأن بسام مات في الحصار بل كان من الممكن أن يموت في غير بقعة من الأرض فمن الصعب علاجه و لكن ذكرتها لأن أمه أرادت أن تعطيه كبدها و تموت دون حتى أن يعلم زوجها و والد طفلها فقد ملت من البكاء و التحدث عن مشكلة بسام و نحن هكذا مللنا الحديث
هكذا هي مآسينا ...... والد معتصم و ام بسام و الطبيب المستهدف و صديقي المصاب بالتصلب اللويحي يكملون حياتهم دون بكاء
ابكوا فقد فقدنا القدرة على البكاء
ابكوا و تذكروا الكيماوي فصدقوني من رأى الأطفال نياما يومها و لم يستيقظوا يعلم أنه هو الضحية لأنه ما زال صاحياً